الشبهة وأثرها في جرائم الحدود

الملخص

فإنه لما كانت الحدود عقوبات بالغة في الشدة على جرائم بالغة الضرر على قيم المجتمع وكيانه الإنساني باعتبارها من كبائر الذنوب والمعاصي؛ ولأن الشارع الحكيم لم يكـن مـن قصـده الانتقام والتشفي ولا إغراق المجتمع بأصناف العقوبات، وكذلك لم يكن حريصا على كشف الأستار وفضح الأعراض، وإنما كان قصده التلويح بالعقوبة صونا للفضيلة، وقطعا لداء الرذيلة وزجرا عن الوقوع في المعاصي، أو الحوم حول حماها أو اقتراف أسبابها لما كان كذلك، فإن الشارع الحكيم اشترط لنسبة الجرم إلى فاعله أن يصدر عنه على وجه اليقين قصـدا وفعلا، وألا يقام حد على أحد إلا إذا كان دليله من الشرع مقطوعا به ثبوتا ودلالة، وفوق ذلك فلا عقاب إلا بعد ثبوت الواقعة ونسبتها إلى فاعلها بطريق لا شك فيه ولا التباس، وذلك ما يعرف باليقين، فلا جرم ولا عقاب مع قيام الشبهة في ذلك؛ لأنها تفسد اليقين الذي هو مناط العقاب، وإذا كان الأصل براءة من التكاليف، فلا يعدل عن هذا الأصل إلا بيقين ولا يقين مع الشبهة. لمـا كـان الأمر كذلك، احتاج الفقهاء إلى بيان الشبهات وحقيقتها وذكر أنواعها وتقسيماتها، وما يعتد بـه منها وما لا يعتد به؛ حتى لا يسند جرم لفاعل إلا بيقين ولا يعاقب متهم إلا بيقين، لهذا فإننا سندرس في هذا البحث الشبهات وأنواعها وفقا للخطة الآتية: المبحث الأول: في حقيقة الشبهة ومشروعيتها ومواقف العلماء منها - معنى الشبهة - مشروعية الشبهة - أثر الشبهة في عموم الأحكام  - مبدأ الستر في الحدود - الأخذ بالشبهة في حدود والقصاص - المبحث الثاني: أقسام الشبهة وآثارها -أقسام الشبهة عند القائلين بها : أولا: الشبهة عند الحنفية. ثانيا: الشبهة عند الشافعية. ثالثا: الشبهة في الإثبات -آثار الشبهة - أثر الشبهة في قوانين الحدود