الدَّلالَة الإيحائية للفعل ضمن النَّسَقِ القرآنيّ

الملخص

كلما ظنّ الدارس أن القرآن الكريم استوفى البحث من جميع جوانبه، تفتحت أمامه مساربُ بحثٍ جديدة، فكل الدراسات التي اتخذت من القرآن قطبًا تدور حوله، وتحلق في مداراته، تظل عاجزة عن الإحاطة به، ولا ريب في هذا، إذ إنه الينبوع الذي لا تنضب معارفه، والقمر الذي لا يخمد نوره، والشمس التي لا تغرب أشعتها، بل إنه أجلّ من ذلك وأرقى. ومن كرم الرحمن على هذه اللغة المباركة أن اختارها وعاءً للقرآن، فازدادت رقيًا في الأداء ودقة في التعبير، وهيأ لها من يحفظها ويقوم على أمرها، ويعتني بعلومها، ويصنف أبوابها، فكثرت المصنفات في القرآن ولغته بلاغة وبيانًا ولغة ونحوًا وإعرابًا وتفسيرًا، لكن الملاحظ أن هذه المصنفات على كثرتها لم تتناول الدلالة الإيحائية للفعل في القرآن، بمعنى أن تلك المصنفات لم تبين للقارئ ما سِرّ استعمال هذا الفعل في القرآن دونًا عن مرادفه في المعنى، فعلى سبيل المثال فسّر العلماء معنى كلمة (وَجِل): أي خاف، لم نقف في تلك المصنفات على دراسة أو شرح أو توضيح لاستعمال القرآن الفعل "وَجِل" دون "خافَ" في بعض المواضع، مع أنهما بحسب الظاهر كلاهما بمعنى، لكن بلا أدنى شك أن البيان الإلهي أراد الفعل "وَجِل" في هذا النسق، ولم يرد الفعل "خاف"، ولو أراد "خاف" لاستعملها كما استعملها في غير موضع من القرآن؛ لأن القرآن معجز بكل حرف من حروفه، ولا ترادف فيه، إذ إن المترادفات عرفت في لغة البشر، أما في لغة القرآن فلا ترادف، لأن كل كلمة فيه مقصودة لذاتها ضمن سياقها، وكل كلمة في القرآن لها دلالتها الإيحائية ضمن النسق، ولها سِرّها الخاص الذي لا يمكن أن تؤديه غيرها، لذا كان لا بدّ من دراسة تبين لنا هذه الدلالة التي توحيها كل لفظة بذاتها؛ لأن هذا بلا شك سيساعد على فهم كتاب الله واستيعاب آياته.