الخطاب التربوي الإسلامي (المرتكزات والغايات)
الملخص
كان الغرب -على ما بين معسكرَيه من اختلاف في التوجهات الإيديولوجية- يدرك منذ أمدٍ غير قصيرٍ مدى فاعليات الإسلام بوصفه عقيدةً وشرعةً وفكرًا ومنهاجًا وقابلياته للحياة والتطور؛ لذلك وجدناه -أي: الغربَ- حين دخل بلادَ المسلمين غازيًا مستعمرًا لا يشغل إلى جانب استغلاله خيرات الأرض ومواردها الخام إلا بالعمل في دأب وجلد على التمكين للغته وفكره وثقافته ونشر ما ينبثق عنها من تصوراتٍ ومثلٍ وقِيَمٍ مستهدفًا اجتثاثَ الوجود الإسلامي في عقر داره عقديا وفكريا.
وبِقَدر ما أدرك الغرب النتائجَ الإيجابية التي يمكنه أن يحصلَ عليها في مشروعه الاستعماري من زغزعةِ عقيدة التوحيد وتدميرِها في نفوس معتنِقِيها من أبناء المسلمين أدرك بالمثل قيمة المعطيات الباهرة التي يمكنه الظفر بها من جراء تهجين الفكر الإسلامي وإثارة الشك والبلبلة في أصالته ومنهجيته ونتاجه، وإشاعة القيم الصليبية والتلمودية، والإلحادية تحت شعار: (حرية الفكر) و(مسايرة التطور) وسواء حين عمل الغرب على توهين عقيدة التوحيد وتطويقها بالبلبلة والريبة أو حين جعل يسدد ضربات المكر والتشكيك إلى الفكر الإسلامي فان هدفه الرئيسي من هذا وذاك إنما كان (تغريب) الحياة بمختلِف مستوياتها وواجهاتها في مستعمراته الإسلامية في إفريقيا وآسيا وأروبا.
وقد اعتمد في تحقيق هذا الهدف وسائلَ متعددةً، كان من أهمها إن لم يكن أهمها على الإطلاق التعليم بمناهجه ومقرراته.
وفي هذا السياق كانت محاربته لجامعات التعليم الإسلامي الكبرى من مثل القرويين والزيتونة والأزهر باعتبارها على شدة حاجتها يومئذ إلى الإصلاح حصونا لثقافة القرآن ولغته.
وفي هذا السياق أيضًا كانت محاربته للمدارس الإسلامية العربية التي أسسها زعماء المسلمين لما تنهض به من دور بالغ الأهمية في توعية النشء بعقيدته ولغته وتاريخه.
أما المدارس التي أنشأها أو شجع على إنشائها ليتعلم فيها أبناؤه وأبناء مستعمراته فِكرَه وثقافته ولغته فقد أرسى أسسها على كراهية الإسلام ومعاداة القران، فتسنى له بذلك إعداد جيل من أبناء المسلمين يفكر بفكره و(يلغو) بلغته، وينظر بنظره.