مصادر تاريخ السودان الغربي بين التدوين والرواية الشفهية في العصر الوسيط

Abstract

يتناول البحث الحالي قضية جدُ مهمة من وجهة نظره، من خلال الدعوة إلى الخروج من نمطية الاجترار التي أصبحت عادةً عند كثيرٍ من المؤرخين الذين يستخدمون الكم نفسه من المصادر عن تاريخ السودان الغربي،
و هذا القول - وبشكل مجرد- ليس دعوة لترك تلك المصادر الاساسية، بل هو دعوة للبحث عن مصادر جديدة، مما هو سائد الآن، فالإشكالية والتي دائما ما تتردد في الاوساط العلمية للباحثين في تاريخ السودان الغربي هي التعلل بقلة المصادر، وندرتها، وهذا القول ربما يكون صحيحا، ولكن السؤال المهم الذى يجب طرحه هو: هل اجتهد الباحثون من أجل تطوير أدواتهم، وسعوا للبحث عن مصادر جديدة أو لا؟

ويهدف البحث إلى دعوة المهتمين لخوض غمار تجربة جديدة للبحث عن مصادر لتاريخ المنطقة موضوع الدراسة، وزيارة تلك الاماكن، والاطلاع على ذلك الكم الهائل جداً من المخطوطات التي لم يزل عليها غبار الماضي إلى الآن .

ويسعى هذا البحث الى إلقاء الضوء عن الإطار الزماني والمكاني للسودان الغربي، وتقديم لمحةً عن جُل مصادره، من خلال عناوينها، ومؤلفيها وزمانها، فتلك المصادر الكلاسيكية التي صار يعرفها حتى غير المتخصصين لم تكتب في زمن وقوع الاحداث التي تضمنتها، وإنما نُقلت عبر المشافهة والذاكرة إلى أن وصلت إلى المغرب والمشرق، فدونها مؤرخون بعد ذلك في عصور لاحقة، والدليل على ذلك أن المؤرخ أبو عبيد الله بن عبد العزيز البكري نقل عنه من جاء بعده، وبشكل حرفي بل ان بعضهم انتحل جل ما كتبه عن بلاد السودان؛ لهذا نلحظ أن أغلب المتخصصين الآن في التاريخ الوسيط ملزمون بتلك المصادر، ولا يكاد يذكر أي موضوع في السودان الغربي إلا و رأوا أن ابن عبد الحكم، وابن قتيبة، وابن خرداذبة، واليعقوبي، والهمذاني، وابن حوقل، وغيرهم أساسٌ لا بد منه . إن هذا القول ربما يكون عند بعضهم مقبولاً، كما انه محمودٌ عندما يكون الحديث عن التاريخ والاخبار بشكل مجرد، ولكن كل هؤلاء المؤرخين سابقي الذكر لم يزر أحد منهم السودان الغربي ماعدا البكري، وابن حوقل الذى وصل إلى أودغست.

إن ملخص أهم قضايا هذا البحث تكمن في محاولة وقوفه على حقيقة المصادر السودانية، وليست العربية وكتابها، وزمن كتابتها، وطرق تحقيقها، ودور علماء الغرب، وأهم إسهاماتهم خصوصا عندما نلاحظ مدى الخدمات الكبيرة التي قدموها من خلال دراساتهم الأركيولوجية والميدانية، إن محاولة الحديث عن الرواية الشفوية في التاريخ يجعل المؤرخين متوجسين وقلقين مما يقدم، ففي نظر بعضهم تعد الرواية الشفوية مجرد أساطير تضيع الحقائق، بل تجعل كل الاحداث على المحك، وهذا ربما قولٌ يجانبه الصواب، فما يود هذا البحث عرضه يكمن في أن أغلب مصادر تاريخ بلاد السودان الغربي تعتمد اعتماداً مباشراً على الروايات الشفوية ماعدا ما قدمه أصحاب الزيارات الميدانية زمن وقوع الاحداث أو لاحقا.